دارت أصابعهم على أوتار عيدانهم الملهمة، لتنبعث منها موسيقى شجية أطربت كينونة الحاضرين وأخذتهم لعوالم الحرية والسلام، باعثين في جمهورهم ترانيم ابداعية شبابية من فلسطين، ورسائل محبة لمن يعشقون السلام، تمتزج فيها عبق فلسطين وتاريخها، صاعدة بهذا الجمهور الى سحب تتأخى فيها الديانات بعيداً عن أحداث الكراهية البغيضة، ويتساوى معها الاحترام لكل ذي روح على هذه الأرض ماتت أو مازالت ترى ما يحيق بهذه الأرض.
هكذا، اختتمت فرقة الثلاثي جبران الفلسطينية العالمية والشريك الثقافي لبنك فلسطين سلسلة حفلاتها الموسيقية في عدد من المدن والجنوب الفرنسي، فخلال فترة تنظيم هذه الحفلات التي جرت في كل من مدن (بورديو، بوجيوس، كالي، انجوليم ومكز، سيبيزات) عاشت العاصمة الفرنسية باريس أجواءً صعبة جراء الحادث الذي قتل على أثره صحفيون في مجلة شارلي ابدول، لتنتقل الفرقة بعدها الى لوكسمبورغ لتنهي حفلاتها الموسيقية برسالة محبة واحترام لكل الديانات والأنبياء ورفض العنف تجاه الصحافة والاعلام.
وبرغم الأحداث التي جرت في فرنسا، إلا أن تذاكر الأمسيات قد بيعت جميعها قبل اسبوعين من الحفلات، حيث كانت جميع المسارح مكتملة تماماُ ولم يغب أي من الحضور عن هذه الحفلات، وغصت المقاعد لحضور الثلاثي جبران، فقد تفاعلت الجماهير مع وترياتهم، حيث قاموا بعزف عدد من المقطوعات الموسيقية التي مزجت ما بين الشرق والغرب، والتي عبرت عن المشاعر الانسانية كالخوف والشجاعة والانسانية والتمرد. كان له أثر واضح جذب انتباه الجمهور واحترامه المستمر من خلال انصاته للمعزفات وتصفيقه طويلاً عند انتهاء الحفل.
أما الحفلة الأخيرة، فقد أحيتها فرقة الثلاثي جبران جولتها في حفل كبير نظم في لكسمبورغ حيث قدمت الفرقة عملها في أهم الصالات "الفلهارمونيا" من أهم الصالات العالمية في الموسيقى الكلاسيكية. وعلى مدار ساعة نصف استمع جمهور كبير الى موسيقا الثلاثي من ألبومات "مجاز، أسفار" مصفقاُ طويلاً ومطالباً بعودة الثلاثي الى خشبة المسرح ثلاث مرات بعد الحفل، ليتسع الوقت لساعتين أو أكثر داعبت خلالها موسيقى العود أشجان الحضور وحلقت به الى أجواء ثقافية وفنية غاية في الجمال.
وفي لقاء خاص مع سمير جبران، الأخ الأكبر لفرقة الثلاثي جبران مؤسس الفرقة، فقد سرد تاريخ عملها منذ اثنى عشر عاماً قدمت خلالها فرقة الثلاثي جبران مجموعة من الحفلات الموسيقية في العاصمة الفرنسية مقر اقامتهم الرئيسي والبلد انطلقت منها الفرقة بأعمالها وشركة انتاجها، بالإضافة الى حفلات أخرى في عدد كبير من المسارح في العواصم العربية والعالمية. فخلال اثنى عشر عاماُ، قدمت الفرقة ما يزيد عن 500 حفلة موسيقية، قدمت خلالها الفرقة لجمهورها معزوفات امتزجت بها الثقافة الفلسطينية، الثرية بتفاصيلها.
وأشار جبران الى أن الجمهور الفرنسي، كان له فضل كبير في استقبال ونشر موسيقانا والتعامل مع الهوية الفلسطينية لثقافة مرموقة وغنية وقادرة على التجانس والتأثير في المجتمعات الغربية، وقال جبران بأن الفرقة ومن خلال تواجدها في فرنسا، استطاعت أن تجمع حولها الكثير من المعجبين الفرنسيين، حيث حققت البومات الثلاثي جبران أكثر الالبومات الموسيقية مبيعا على التوالي في فرنسا.
كما كشف جبران بأن الفرقة قامت بتلحين مجموعة من اللوحات الموسيقية لعدد من الفرق الراقصة، موسيقى تصويرية لأفلام السينما العالمية، حصلت خلالها هذه الافلام على جوائز عديدة منها فيلم "الرحلة الأخيرة" مع الممثلة الفرنسية "ماريو كوتيار" الحائزة على جائزة أوسكار، وفيلم "أديو جاري" الحاصل على جائزة اللجنة من مهرجان كان، وعلى جائزة أفضل موسيقى تصويرية وهي موسيقى من تأليف الفرقة. وتحظى الفرقة الفلسطينية بتغطية اعلامية كبيرة جداً في معظم الصحف والقنوات التلفزيونية الفرنسية والعالمية.
من جانب آخر، فقد أوضح جبران بأن فرقته قامت بإحياء حفلات في أهم مسارح الموسيقى العالمية من بينها "مسرح أوديون" مع الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، ومسرح "شانلي" واليونيسكو، و"سيجال" و"تياتر شانزليزيه" و"الأولمبيا" التي احتضنت لأول مرة فرقاً فلسطينية في حدث تاريخي.
وتابع جبران بأن وخلال هذه المسيرة الطويلة، كانت فلسطين حاضرة وبقوة، فنحن فرقة فلسطينية بثقافتها وبجمهور عالمي نحمل رسائل السلام والحرية، حيث كانت تصريحاتهم حول آمال بمستقبل أفضل لفلسطين من غير احتلال، وأن أعواد الثلاثي جبران هي سلاحهم الوحيد للدفاع عن حريتهم بالتغيير وعن غضبهم من عنجهية الاحتلال فنقلوا القضايا الانسانية لشعبهم، وقدموا العديد من الحفلات الخيرية لمشاريع فلسطينية، لينعكس هذا على تحرر موسيقاهم من ضغط الهوية على الثقافة.
وعن رأيه في ما حدث في العاصمة الفرنسية من اعتداء على مجلة "شارلي أبدول" التي راح ضحيتها عدد من الصحفيين الفرنسيين بعد نشرهم رسوما مسيئة للاسلام، أكد جبران على رفضه للأعمال الارهابية وادانتهم لها، مشددين في الوقت ذاته على حرية الاعلام دون الاساءة للأديان السماوية والأنبياء والرسل. كما نقل تعازي فرقة الثلاثي جبران الى أهالي قتلى الهجوم، مؤكداً على حرية الرأي والتعبير الذي من شأنه أن يعزز من الابداع الثقافي في مختلف أنحاء العالم. والى جانب ذلك، قدم جبران شكره للحكومة الفرنسية على دعمها وموقفها الأخير الى جانب فلسطين في مجلس الأمن.
وختم جبران حديثه بالشكر الى كل من ساهم في نجاح مشروعهم الوطني، وخصوا بالذكر سيادة الرئيس محمود عباس "أبو مازن" لدعمه الدائم للثقافة والمبدعين الفلسطينيين، كما ثمن الشراكة الثقافية التي عقدتها فرقة الثلاثي جبران مع بنك فلسطين، مشيرا الى أنها ساهمت في تعزيز روح الابداع لدى الفرقة، وخص بالشكر السيد هاشم الشوا، رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لبنك فلسطين، والذي أثني على أداء الفرقة وابداعها وتطورها.
يذكر بأن فرقة الثلاثي جبران حصلت على مجموعة من الجوائز المحلية والعالمية والأوسمة منها؛ وسام الاستحقاق والتميز من سيادة الرئيس محمود عباس، وعلى جائزة الابداع العربي من مؤسسة الفكر العربي، وجائزة المهر العربي مرتين على التوالي من مهرجان دبي للسينما عن أفضل موسيقى تصويرية، وعلى جائزة فلسطين الدولية للتميز والابداع، وغيرها من الجوائز.